بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين ،نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : قال الناظم (رحمه الله):
في صوم ثالث المحرم ارغب ... وحاءِ حجة وكزٍّ رجب
وكهّ قعدة ويوم عرفة ... ونصف شعبان روى ذو المعرفة
لما ذكر الناظم – رحمه الله – أن يوم عاشوراء مرغب في صومه؛ استطرد في ذكر الايام السبعة التي ورد الفضل في صومها.
منها: يوم عاشوراء وقد تقدم ذكره.
ومنها: يوم ثالث المحرم، دعا فيه سيدنا زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام ربه أن يرزقه غلاما فاستجيب له، وإليه أشار الناظم بقوله: (في صوم ثالث المحرم ارغب) .
ومنها: ثامن ذي الحجة وإليه أشار بقوله: ( وحا حجة) لان نقط الحاء يساوي ثمانية بحساب الجمل، وهو يوم منى عند المغاربة أو يوم التروية عند المشارقة - مشتق من الري لأن الناس يعدون فيه الماء ليوم عرفة -، وقيل في قوله تعالى: {وليال عشر} [الفجر: 2] أنها عشر ذي الحجة.
قال ابن يونس والقرافي وابن رشد وتبعه الحطاب : ورد أنه كصيام سنة، وقال في التوضيح: روى ابن حبيب في واضحته، عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «صوم يوم التروية كصوم سنة».
تنبيـــــــه : قد وهم العلامة سيدي محمد بن عرفة الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير في قوله: " وفي الحطاب أن صومه يكفر شهرا " فالذي في شرح الحطاب والمقدمات المراد به هو : بقية الايام التسع من ذي الحجة من غير الثامن والتاسع، والدليل على ذلك أن العلامة الخرشي قال في شرحه على سيدي خليل:
"واختلف في صيام كل يوم من العشر المذكورة هل يعدل شهرا أو شهرين أو سنة ؟ وهذا ما عدا الثامن والتاسع، أما الأول فيعدل سنة، وأما الثاني فيعدل سنتين". انتهى
والعجيب أن العلامة سيدي محمد عليش وغيره من المتأخرين تبع ابن عرفة الدسوقي في ذلك، فتأمل.
ويكره صوم يوم التروية للحاج، وقال أشهب وابن وهب وابن حبيب: فطره أفضل للحاج ليتقوى على الدعاء .
قلت: ولأنه - صلى الله عليه وسلم - «أفطره في حجة الوداع » .
وقال في المتيطية: ويكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا، وهو حسن لغير الحاج؛ لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف، وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه، فلذلك كره، انتهى.
ومنها: السابع والعشرون من شهر رجب، وإليه أشار بقوله: ( وكز رجب ) لان الكاف عشرون والزاي سبعة، قال في التوضيح: واستحب ابن حبيب وغيره صوم السابع والعشرين من رجب لأن فيه بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - . انتهى
ومنها: الخامس والعشرون من ذي القعدة، وإليه أشار بقوله: ( وكه قعدة ) لان الكاف عشرون والهاء خمسة، قيل: لان فيه أنزلت الكعبة على آدم - عليه الصلاة والسلام - ومعها الرحمة .
ومنها: ( يوم عرفة )، وهو تاسع ذي الحجة، ولم يضبطه بالعدد لشهرته، ويستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» ، رواه مسلم، وأبو داود، قال الأقفهسي معناه إن وجد شيئا في التي بعده يكفره وإلا حصل الثواب.انتهى
وأما الحاج فيكره له صومه لحديث أبي داود: «نهى - عليه الصلاة والسلام - عن صيام عرفة بعرفة» ؛ ولأنه صح أنه - عليه الصلاة والسلام - كان فيه مفطرا، قال في المتيطية: ويكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا، وهو حسن لغير الحاج؛ لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف، وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه، فلذلك كره، انتهى.
وقيل في قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] أن الشفع يوم النحر، وأن الوتر يوم عرفة. وفي قوله: {وشاهد ومشهود} [البروج: 3] أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.انتهى
ومنها: الخامس عشر من شعبان، واليه اشار بقوله: ( ونصف شعبان ) لمن أراد الإقتصار على هذا اليوم، وقيل في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة وينسخ الأحياء في الأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد، روي ذلك عن علي بن ابي طالب وأبي هريرة وعكرمة وعطاء بن يسار وعائشة وغيرهم : وقيل أن المرادة بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 3، 4]، ليلة النصف من شعبان، وذهب الجمهور: أن المراد بالآية ليلة القدر، والذي ينبغي المصير اليه هو الجمع بين هذه الاقوال، فقد روى أبو الشيخ، بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه فى قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: «ليلة النصف من شعبان، يُدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء ويُثبت غيره الشقاوة والسعادة، والموت والحياة» . قال السيوطي: سنده صحيح لا غُبار عليه ولا مطعن فيه. اهـ. ورُوي عن ابن عباس: قال: إن الله يقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفي رواية: ليلة السابع والعشرين من رمضان، فبهذا يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ في ليلة النصف من شعبان، ويكمل في ليلة السابع والعشرين من رمضان، والله تعالى أعلم.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا سائل فأعطيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر.انتهى
وقوله: ( روى ذو المعرفة ) أي ذو علم بالآثار والأحاديث، وقد نظم بعضهم هذه الايام السبعة في بحر من الطويل فقال:
أيا راغــبــا أجــر الصــيــام تــطــوعـا ... عــلــيــك بـأيــام روتـهـا الأوائـل
وعدتــهــا ســبــع مـــن الـعــام كــلــــه ... وفي صومها للصائمين فضائـــل
ففي رجـــب مــن بعــد عشريــن سابـع ... بــه كــل بـــر معـتـن مـتـشــاغل
وفي النصف من شعبان جاءت عجائب ... من الخير والإحسان فهى تواصل
فمــن قامــه ليــلا واصــبــح صــائــمـا ... تلــقى امـانـا لـم تصبــه الــغـوائل
ومــن قعـــدة خمــس وعشرين فاحتفظ ... بــه إنــه يــوم عــظــيــم وفاضـل
وفي حــجــة يــوم أتــى وهــــــــو أول ... وتــاســعــة أيضــا كـذلـك فاضل
وثــــالــــث أيــــام الــمــحــــرم إنـــــه ... جــلــيــل وعـاشـوراء فـيـه أقاول.
وجعل بعضهم بدل أول يوم من الحجة السادس منه وبعضهم الثالث من رجب، وفي حاشية ابن الحاج على ميارة أبيات شبيهة بهذه وهي قوله:
وهـــاك سـبــعــة مــن الأيــــام ... نــص عـلـيـها الشــرع بالصــيـام
فثــالــث المحــرم اسمــع جــاء ... وعــنــه أيـضـا يـوم عـاشــــوراء
وثــالــث من رجـب المعــظـــم ... والسبــع والعشــرون منــه فاعلـم
كذاك من شعبان يوم النصــــف ... والخمس والعشرون فافهم وصفي
من شهر ذي القعدة كذاك التاسع ... من شهر ذي الحجة بلا منــــازع.
ويجعل بعضهم بدل ثالث رجب؛ أول يوم من ذي الحجة، وبعضهم سادس ذي الحجة أيضا، وبعضهم ثامنها وهو يوم التروية. انتهى
ثم قال الناظم (رحمه الله):ذو قعدة ذو حجة محرم ... ورجب الفرد شهور حرم .
قوله: (ذو قعدة ) بكسر القاف على ما وجدت في النسخ، ضرب من القعود، وبالفتح المرة الواحدة منه، قال في المصباح: وَذُو الْقَعْدَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ شَهْرٌ وَالْجَمْعُ ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْقَعَدَاتِ وَالتَّثْنِيَةُ ذَوَاتَا الْقَعْدَةِ وَذَوَاتَا الْقَعْدَتَيْنِ فَثَنَّوْا الِاسْمَيْنِ وَجَمَعُوهُمَا وَهُوَ عَزِيزٌ لِأَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَى عَلَى كَلِمَةٍ عَلَامَتَا تَثْنِيَةٍ وَلَا جَمْعٍ. انتهى
وهو الحادي عشر من الشهور العربية، سمي بذلك لأن العرب كانت تقعد فيه عن الغزو تعظيماً له؛ لانه من الاشهر الحرم، وقيل: لقُعُودهم فيه في رحالهم وأوطانهم، ويقولون في ذي القعدة ايضا: ورنة والواو فيه منقلبة عن همزة أخذا من أرن إذا تحرّك لأنه الوقت الذي يتحرّكون فيه إلى الحج، أو من الأرون وهو الدنوّ لقربه من الحج ويجمع على ورنات ووران كجفان.
قوله: (ذو حجة) بكسر الحاء على ما وجدت في النسخ، المرة الواحدة من الحج، وهو شاذ لوروده على خلاف القياس؛ لأن القياس في المرة هو الفتح في كل فعل ثلاثي، كما أن القياس فيما يدل على الهيئة الكسر، كذا صرح به ثعلب في الفصيح، وقلده الجوهري والفيومي والمصنف وغيرهم.
وفي اللسان: روي عن الأثرم وغيره: ما سمعنا من العرب: حججت حَجة، ولا رأيت رأية، وإنما يقولون: حججت} حِجة.
وقال الكسائي: كلام العرب كله على فعلت فَعلة إلا قولهم: حججت حِجة، ورأيت رؤية فتبين أن الفعلة للمرة تقال بالوجهين: الكسر على الشذوذ - وقال القاضي عياض: ولا نظير له في كلامهم - والفتح على القياس.
ونقل القزاز في غريب البخاري: وأما ذو الحجة للشهر الذي يقع فيه الحج فالفتح فيه أشهر، والكسر قليل، ومثله في مشارق عياض، ومطالع ابن قرقول، قال الامام النووي في شرح مسلم: أما ذو القعدة فبفتح القاف وذو الحجة بكسر الحاء هذه اللغة المشهورة ويجوز في لغة قليلة كسر القاف وفتح الحاء. انتهى وأنشد بعضهم:
وفتح قاف قعدة قد رجحوا ... وكسر حاء حجة قد صححوا
وجمع ذو الحجة؛ ذَواتُ الحِجَّةِ، ولم يقولوا: ذوو على واحده، وهو الثاني عشر والأخير من الشهور العربية، سمي بذلك للحج فيه، وكان العرب يحجون ويلبون في حجهم في الجاهلية، وكانوا يسمونه ايضا: برك، وهو غير مصروف لأنه معدول عن بارك، أو على التكثير كما يقال: رجل حكم وهو مأخوذ من البركة لأن الحج فيه، أو من برك الجمل لأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، ويجمع على بركان مثل نغر ونغران.
قوله: ( محرم ) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء: اسم فاعل من حرَّمَ يحرِّم، تحريمًا، فهو مُحرِّم، وجمع محرَّمات ومَحارِمُ ومَحاريمُ، وهو الشّهر الأوَّل من شهور العام الهجري العربي، سمي بذلك لتحريم القتال فيه، وكان العرب يقولون أيضا في المحرّم: المؤتمر أخذا من أمر القوم إذا كثروا بمعنى أنهم يحرّمون فيه القتال فيكثرون. وقيل أخذا من الائتمار بمعنى أنه يؤتمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير.
قوله: ( رجب ) بفتح الجيم: مصدر رجَِب كفرح ونصر يرجَُب رَجَباً، والجمع رجبات وأرجاب وأرجُب وأرجِبة ورِجاب ورُجوب، والتَّرْجِيبُ: التعظيمُ، وهو الشّهر السّابع من شهور العام الهجري العربي، وفي الحديث: [ رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ]؛ قوله: بين جمادى وشعبان، تأكيد للبيان وإيضاح له، لأنهم كانوا يؤخرونه من شهر إلى شهر، فيتحول عن موضعه الذي يختص به، فبين لهم أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا ما كانوا يسمونه على حساب النسيء، وإنما قيل: رجب مضر، إضافة إليهم، لأنهم كانوا أشد تعظيما له من غيرهم، فكأنهم اختصوا به، و يقولون: هذا رجب، فإذا ضموا له شعبان، قالوا: رجبان.
وقيل سمي بذلك، لأن العرب كانوا يعظمونه في الجاهلية، ولا يستحلون فيه القتال، وقيل: لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه، ويسمى ايضا عندهم بأسماء منها: الأصم ، لأن السلاح يغمد فيه فلا يسمع وقع الحديد بعضه على بعض، ومنصل الأسنة، لأنه كانت تنزع فيه الأسنة للأمن والكف عن القتال، و شهر الله، ورجب مضر كما تقدم، والأصب، ومنفس، ومطهر، ومعلي، ومقيم، وهرم، ومقشقش، ومبريء، وفرد وغيرها.
ووصفه الناظم بـ (الفرد) لأن الثلاثة الأشهر الأولى المتقدمة سرد أي متتابعة، ورجب انفرد عنهم، يتقدمه جمادى وياتي بعده شعبان .
قوله: (شهور) جمع شهر قيل: معرب، وقيل: عربي، مأخوذ من الشهرة وهي الانتشار، وقيل: الشهر الهلال، سمي به لشهرته ووضوحه، ثم سميت الأيام به، ويجمع أيضا على أشهر، قاله في المصباح، وقال الليث: الشهر والأشهر عدد، والشهور: جماعة.
قوله: (حرم) بضم الحاء والراء: جمع حرام، وهو سماعي لأن فعلا بضم الفاء والعين إنما ينقاس في الاسم الرباعي ذي مد زائد، وهو صفة لشهور، وهذه الاشهر الحرم هي التي ذكرها الله في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - إجمال هذه الآية في خطبة حجة الوداع في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان". انتهى
قال الامام النووي في شرح مسلم:
قال العلماء معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم وقد تطابق الشرع وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به يوم خلق السماوات والأرض وقال أبو عبيد كانوا ينسئون أي يؤخرون وهو الذي قال الله تعالى فيه إنما النسيء زيادة في الكفر فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم فيؤخرون تحريمه إلى صفر ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه.انتهى
وتحريم هذه الأشهر الأربعة مما شرعه الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام لمصلحة الناس، وإقامة الحج، كما قال تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام [المائدة: 97] .
واعلم : أن تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكريمة، وتفضيل غيرهم مما لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل، الواقعة فيه، أو المقارنة له. فتفضيل الأوقات والبقاع إنما يكون بجعل الله تعالى بخبر منه، أو بإطلاع على مراده، لأن الله إذا فضلها جعلها مظان لتطلب رضاه، مثل كونها مظان إجابة الدعوات، أو مضاعفة الحسنات، كما قال تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر [القدر: 3] أي من عبادة ألف شهر لمن قبلنا من الأمم.
واعلم : ان العام الهجري هو مقدار ﺯمني ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻳﻨﻘﺴﻢ
الى اثني عشر شهرا، وكل شهر الى تسعة وعشرين يوما وإحدى وثلاثين دقيقة وخمسين ثانية وخمس ثوالث، وكل يوم الى ستين دقيقة، قال في الشرح الكبير:
والعام العربي عند المنجمين هو: مدة اجتماع القمر مع الشمس في الفلك اثنتي عشرة مرة مع ما بين الاخيرة والثالثة عشرة. انتهى
قال سيدي صالح الالغي: وذلك اثنا عشر شهرا، الشهر الاول: يبتدئ بعد الاجتماع الاول؛ وينتهي عند الاججتماع الثاني، وهكذا الى ان ينتهي الشهر الحادي عشر عند اجتماع الثاني عشر، وينتهي الشهر الثاني عشر – الذي هو تمام العام – عند الاجتماع الثالث عشر، وهذا معنى قوله: (مع ما بين الاخيرة ...).انتهى
والشهور العربية مشهورة وهي مع اسمائها:
المُحَرَّمُ: ويقال له المُؤْتَمِرُ، وصَفَرٌ: ويقال له ناجِرٌ، وربيعٌ الأَوَّلُ: ويقال له خَوَّانٌ وخُوَّانٌ وخَوَان، وربيعٌ الآخِرُ: ويقال له وَبْصان، وحُكِيَ لنا: بُصَانٌ أيضاً، وجُمادَى الأولى: ويقال له الحَنِينُ، وحُكِيَت الحُنَيْن، وجُمادَى الآخِرة: ويقال له رُبَّى والرُبَّةُ، ورَجَبٌ: ويقال له الأَصَمُّ، وشَعْبان: ويقال له عاذِلٌ، ورمضان: ويقال له ناتِقٌ، وشَوَّالٌ: ويقال له وَعِلٌ، وذو القَعْدةِ: ويقال له وَرْنَة، وذو الحِجَّةِ: ويقال له بُرَكٌ.انتهى
ونظمها بعضهم فقال:
أردت شهور العرب في جاهليّة ... فخذها على سرد المحرّم يشترك
فهو تمر يأتي ومن بعد ناجر ... وخوّان مع وبصان يجمع في شرك
حنين ورني والأصم وعاذل ... وناتق مع وعل وورنة مع برك
وفي هذا القدر كفاية، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الاحد 28 شعبان 1434 هجرية الموافق 7 يوليوز 2013
إن شاء الله