أما بعد:
فإن في هذه الارض تختفي أنواع كثيرة وضروب من الاجسام المتنوعة وجدت لفائدة الانسان , كالحديد والنحاس , والزنك والرصاص والفضة والذهب والكهرباء واللآلىء والحجارة الكريمة الثمينة كاجزع والعقيق والزبرجد والفيروزج واليشب والبلو والمغناطيس والماس وانواع أخرى كثيرة من الحجارة كالكحل والزرنيخ والشب والمفر والزاج وتوبال النحاس وأنواع أخرى متنوعة وترسبات زيتية تسيل من دهونة الارض , وبعض هذه الامور هي صالحة وضرورة للطب وغيرها لصناعات كثيرة , ولاستعمال البشر كالحناء والقار والكبريت والنفط , والفحم الحجري والحجارة على اختلاف أنواعها تعدّ نوعاً من المعادن لأن مؤثرات كثيرة طرأت عليها حتى كونتها بالشكل الذي نراها عليه
ولتكوين المعادن أسباب طبيعية وكيمياوية كثيرة سنراها في سياق هذا البحث واذا تكاملت المؤثرات على الجسم الفلاني فانه يستحيل من حالة الى حالة جديدة ليتكون منه معدناً من المعادن , وهذا هو عمل الطبيعة في تكيف هذه الكائنات الجامدة وصوغها واخراجها الى حيّز الوجود حاملة طابعاً جديداً وخواص طبيعية جديدة
فتكوين الحجارة عامة يكون على شكلين : الاول بطريقة ( التخزيف الطبيعي ) المتأتي من مؤثرات الحرارة العامة والرطوبة الارضية وتفاعل قوى طبيعية أخرى , فالطين اللزج اذا تعرض لحرارة قوية بدرجة معينة ومرت عليه مدة من الزمن طويلة ومرت عليه تأثيرات طبيعية اخرى يستحيل في حالته الراهنة الى حالة الجماد . والثاني , بطريقة كيميائية , وذلك عند تسرّب ماء مشبع بالمعادن والكلس الى منطقة فيها تراب من نوع خاص , وتطرأ عليه الحرارة من الارض وتمر عليه فترة من الزمن , أو تصادفه برودة شديدة أو حالة كيميائية طبيعية اخرى فانه يستحيل الى جماد , كما يتجمد ماء البحر فيصبح ملحاً .
ويقدم العلامة ابن العبري برهاناً طبيعياً آخر على ذلك وهو تحجر بعض الحيوانات والاشجار في بعض المناطق وذلك بواسطة العوامل الطبيعية وانسكاب بعض الترسبات المعدنية عليها في حالات خاصة , ثم تحجر الترسبات نفسها في بعض المغاور والمناطق المائية بالطريقة نفسها , وهي غير ما نسميه اليوم بالستالكتايت والستالكمايت
وبالطريقة الكيميائية الطبيعية نفسها تتكون الصواعق فتستحيل المواد السابحة في الجو جسماً نارياً يشبه معدناً ويسقط على الارض , ويذهب هذا العالم الى أبعد من ذلك فيقول ان التحجّر يصيب حتى بعض الشرايين الحيوانية فتنتج منه أمراض كيمياوية متأتية من بعض الافرازات في الدم الحيواني كداء النقرس وداء المفاصل أو التهاب المثانة أو حصر البول الأمر الذي يحدث من تحجّر الكريات الدموية من هذه الترسبات الشاذة
ان المادة الاولى والاساسية لجميع المعادن أو القابلة الطرق , أو التي تذوب بالنار هو الزئبق , والدليل البسيط على ذلك عودة هذه المعادن الى سائل يشبهه تماماً , وجميع المعادن التي تذوب بحرارة قوية يحمّر زئبقها , فالرصاص يذوب بحرارة خفيفة , واذا ارتفعت درجة الحرارة عليه , فإن زئبقه يستحيل الى سائل أحمر تبعاً للاحمرار الناري . والدليل الثاني على كون الزئبق المادة الاساسية لهذه المعادن , هو كونه يمتزج بجميعها . ولكن باختلافه واختلاف الكبريت الذي يمتزج فيه يختلف نوع المعدن فتتولّد تبعاً لهذا الاختلاف المعادن الكثيرة لأن جميع هذه المعادن تتكون من الزئبق ممزوجاً بالكبريت
والزئبق نفسه يتكون من مادة مائية ممزوجة بمادة ترابية خاصة لطيفة , ومادته المائية تغلب على مادته الترابية . وتبدو مادته ثقيلة بسبب انعدام المادة النارية فيه . فانعدام المادة النارية وقلة المادة الهوائية فيه تسبب ميوعته ولا سيما كثرة الرطوبة والمادة المائية فيه , واما سبب بياض لونه , فان التمازج الشديد بين المادة الترابية اللطيفة والمادة الهوائية الخفيفة فضلاً عن قوة تماسك ذراته التي بواسطتها لا تنفصل عن بعضها بعض , ولكنها تغلي متمازجة في الحرارة وسبب هربه من النار اذا ادني منها فان كثرة المادة المائية فيه , والذي يجعله جامداً متماسكاً اكثر هو رائحة الكبريت التي تجعله مثل الرصاص . ولذلك , الرصاص المغلي السائل هو زئبق , والزئبق الجامد هو رصاص
اما كيفية تكوين المعادن من الزئبق فيكون على النحو التالي : من الزئبق النقي , والكبريت الابيض النقي , تخلق الطبيعة الفضة . واذا كان الكبريت أكثر نقاء وأكرم نوعاً وفيه قوة نارية لطيفة , فاذا امتزج بالزئبق النقي فانه يتكون الذهب , واذا كان الكبريت عكراً مشوشاً فيخلق النحاس . واذا كان الزئبق سيئاً غير نقي وفيه مادة ترابية اكثر من الحاجة , ويكون الكبريت ايضاً معكراً فيتولد الحديد . واما تكوين الرصاص فيتكون من امتزاج الزئبق النقي , والكبريت غير النقي , وبما ان فيه مادة هوائية متحدة من المادتين اتحاداً قوياً , فانها تخرج عند اتحادهما وتمازجهما , وعند خروج المادة الهوائية هذه تبعت صوتاً رناناً . والقصدير يتكون من زئبق ممزوج بمادة ترابية ثقيلة , وكبريت غير نقي ضعيف آسن , لذلك يكون رخواً ضعيفاً
والمعادن عامة أربعة انـواع : المعادن الحجرية , المعادن التي تذوب . الكبريتات والاملاح . المعادن الحجرية : كالزاج , والزئبق المدبر ( فوريطس ) والمغنيسيا , وهذه المعادن صلبة متفتتة قابلة للاحتراق ولا تذوب ولا تقبل الطرق , لانها تكونت من مادة مائية قليلة الرطوبة ومن مادة ترابية , الأمر الذي خلق منها مادة شبه مائية , ولذلك لا تذوب معظمها الا بتاثيرات طبيعية وعلى قلة
والمعادن التي تذوب وتقبل الطرق , وان كان بعضها لا يذوب ولا يقبل الطرق , لكنها تلين ولكن بصعوبة ما خلا الماس فانه لا يقبل الطرق ولا يلين , واذا طرقت على سندان الصائغ يغوص فيه , ولا يؤثر فيه الحديد . والمعادن التي تقبل الطرق فانها متكونة من جوهر مائي ممزوج بجوهر ترابي بقوة , ولا تنفصل ذراتها عن بعضها البعض فيتجمد العنصر المائي بالبرودة الشديدة , وتبقى منها بعض الذرات الزيتية غير جامدة منتشرة بين ذراتها , ولذلك يقبل هذا الجسم الطرق فيتمدد أو يذوب
والكبريتات . تتكون من عنصر مائي اختمر بشدة في العنصرين الترابي والهوائي , وفيها عنصر زيتي كثير مختمر بالحرارة , ثم بالبرودة . والشب والنشادر فيهما عنصر مائي اكثر من السابق ولذلك يغلي لا دفعة واحدة , فمادتهما هي غاز مائي حار لطيف ناري تمتزج فيه يبوسة شديدة فتجمده
والاملاح تتكون من عنصر ملحي وكبريت , وذرات حجرية , فالزاج , يتكون من هذه العناصر وفيه شيء قليل من المواد التي تذوب . وتوبال النحاس يتكون من ذوب ملاحة الزاج والكبريت وعندما تستحيل الى عنصر الاجسام القابلة الذوبان تجمده . ولكن اذا امتزج ببعض عنصر الحديد يحمر لونه أو يكتسب لون الزعفران , وذلك مثل توبال النحاس نفسه واذا امتزج فيه بعض عنصر النحاس , فيصبح لونه اخضر .
والمعادن بالنسبة الى قوتها وضعفها تكون , اما صلبة الجوهر , وقابلة للطرق كالحديد والنحاس والفضة والذهب , أو قابلة التفتت كاليواقيت واللآلئ , او ضعيفة الجوهر وقابلة الليونة وحجرية كالزجاج , أو ملحية تذيبها الرطوبة بسهولة كالشب والزرنيخ الاحمر , او دسمية فيها مادة زيتية كثيرة , ولا تذوب بالرطوبة بسهولة كالكبريت والنشادر
وأهم المعادن عند علماء الطبيعة هي سبعة وقد درسوها كما يلي :أولاً - الذهب
يتكون الذهب في بيئة ترابية طيبة , والهواء النقي , وحيث تكون حرارة الشمس غالبة , ونضج فيها الكبريت النقي ممتزجاً مع الزئبق الطاهر , فاذا كان الكبريت أقل نسبة من الزئبق يكون الذهب المتكون منهما ابريزاً احمر , واذا كانت حرارته قليلة يتكون ذهبه اخضر ليناً , واذا امتزج فيه شيء من النحاس يتكون قوياً صلباً .
ثانياً - الفضة
تكون الفضة في بيئة ترابية نقية ايضاً , والهواء المناسب , وتكون حرارته غالبة على الاولى , اما معدن الفضة فانه طيب كالذهب الا انه يختلف عنه بلونه وثقله , وهو أقل منه حرارة .
ثالثاً - النحاس
يتكون في بيئة جافة تغلب عليها الحرارة , ويكون الكبريت فيه اكثر صلابة وحرارة , فاذا امتزج فيه الكبريت حينئذٍ يستحيل الى نحاس احمر , وفي النحاس ايضاً انواع مختلفة بحسب الامتزاج والبيئة
رابعاً – القصدير
يتكون القصدير في بيئة ترابية اكثر برودة ورطوبة من الاولى , ويكون الكبريت الذي يتكون منه قليل الحرارة ابيض , فاذا امتزج فيه الزئبق , يتكون منه القصدير الابيض , وهو من الاجسام الرخوة
خامساً - الرصاص
في بيئة ترابية رديئة , وهواء رديء تمتزج فيه غازات ثقيلة مشبعة بمواد رديئة كثيرة , فالكبريت الذي يطبخ وينضج في مثل هذه البيئة الرديئة الثقيلة فاذا امتزج فيها الزئبق تحيله الى رصاص اسود , ويسمى الفضة المجزومة , ويشبه بالاجسام الحيوانية الرديئة الصحة والتكوين فتضرب بالجزام
سادساً - الحديد
ان البيئة الجبلية التي تكثر فيها البرودة واليبوسة , وتكون الابخرة المتصاعدة من اجواف
الارض باردة يابسة , فالكبريت الذي في مثل هذه البيئة اذا امتزج بالزئبق يتكون من الحديد وفيه انواع كثيرة ايضاً كالحديد الصلب , والحديد اللين , والحديد الهندي المسمى الفولاذ . وتوجد انواع مختلفة في جميع المعادن , الذهب والفضة والنحاس والقصدير , والرصاص والحديد , وذلك ناتجمن كيفية تمازج الكبريت بالزئبق والتربة والبيئة والهواء والابخرة المتصاعدة من أجواف الارض
سابعاً - الكهرباء
المعدن الذي يسمى " الكهرباء " هو جسم مركب تارةً من الذهب والفضة , وطوراً من معادن اخرى ثمينة مثلها وهي تشبه معدن الجسم البشري مثلاً حيث تتحد العناصر في هذا الجسم الواحد بينما يحتفظ كل عنصر كيانه الخاص سلفاً . وأما الحجارة الكريمة فتكوينها ايضاً يشبه المعادن ولكن تختلف عنها التربة والحرارة والغازات المتصاعدة من جوف الارض الامور التي تتفاعل تفاعلاً طبيعياً وتنتج هذه الاجسام الثمينة . وهي نوعان اساسيان الحجارة الكريمة المعدنية , وهذه تتّبع في تكوينها الطريقة الطبيعية المذكورة , والحجارة الكريمة الحيوانية , وهذه تتكون حول بعض الحيوانات البحرية كالمرجان وغيره