بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذا شعر لابي العلاء المعري من قصيدة آخرها في باب الأمثال .
قال (من بحر الطويل):
ألا فـي سـبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل ... عَـفافٌ وإقْـدامٌ وحَـزْمٌ ونائِل
أعـندي وقـد مارسْتُ كلَّ خَفِيّةٍ ... يُـصَدّقُ واشٍ أو يُـخَيّبُ سائِل
أقَـلُّ صُـدودي أنّني لكَ مُبْغِضٌ ... وأيْـسَرُ هَجْري أنني عنكَ راحل
إذا هَـبّتِ الـنكْباءُ بيْني وبينَكُمْ ... فـأهْوَنُ شـيْءٍ ما تَقولُ العَواذِل
تُـعَدّ ذُنـوبي عـندَ قَـوْمٍ كثيرَةً ... ولا ذَنْـبَ لي إلاّ العُلى والفواضِل
كـأنّي إذا طُـلْتُ الزمانَ وأهْلَهُ ... رَجَـعْتُ وعِـنْدي للأنامِ طَوائل
وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ ... بـإِخفاءِ شـمسٍ ضَوْؤها مُتكامل
يُـهِمّ الـليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ ... ويُـثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِل
وإنـي وإن كـنتُ الأخيرَ زمانُهُ ... لآتٍ بـما لـم تَـسْتَطِعْهُ الأوائل
وأغـدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِمٌ ... وأسْـرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل
وإنـي جَـوادٌ لـم يُـحَلّ لِجامُهُ ... ونِـضْوٌ يَـمانٍ أغْـفَلتْهُ الصّياقل
وإنْ كـان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له ... فـما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل
ولـي مَنطقٌ لم يرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي ... عـلى أنّـني بين السّماكينِ نازِل
لَـدى مـوْطِنٍ يَشتاقُه كلُّ سيّدٍ ... ويَـقْصُرُ عـن إدراكـه المُتناوِل
ولـما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً ... تـجاهلْتُ حـتى ظُـنَّ أنّيَ جاهل
فوا عَجَبا كم يدّعي الفضْل ناقصٌ ... ووا أسَفا كم يُظْهِرُ النّقصَ فاضل
وكـيف تَـنامُ الطيرُ في وُكُناتِها ... وقـد نُـصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائل
يُـنافسُ يـوْمي فيّ أمسي تَشرّفاً ... وتَـحسدُ أسْحاري عليّ الأصائل
وطـال اعـتِرافي بالزمانِ وصَرفِه ... فـلَستُ أُبـالي مًنْ تَغُولُ الغَوائل
فـلو بانَ عَضْدي ما تأسّفَ مَنْكِبي ... ولـو ماتَ زَنْدي ما بَكَتْه الأنامل
إذا وَصَـفَ الطائيَّ بالبُخْلِ مادِرٌ ... وعَـيّرَ قُـسّاًً بـالفَهاهةِ بـاقِل
وقـال السُّهى للشمس أنْتِ خَفِيّةٌ ... وقال الدّجى يا صُبْحُ لونُكَ حائل
وطـاوَلَتِ الأرضُ السّماءَ سَفاهَةً ... وفاخَرَتِ الشُّهْبُ الحَصَى والجَنادل
فـيا مـوْتُ زُرْ إنّ الحياةَ ذَميمَةٌ ... ويـا نَفْسُ جِدّي إنّ دهرَكِ هازِل
وقـد أغْتَدي والليلُ يَبكي تأسُّفاً ... على نفْسِهِ والنَّجْمُ في الغرْبِ مائل
بِـريحٍ أُعـيرَتْ حافِراً من زَبَرْجَدٍ ... لـها التّبرُ جِسْمٌ واللُّجَيْنُ خَلاخل
كـأنّ الـصَّبا ألـقَتْ إليَّ عِنانَها ... تَـخُبّ بـسَرْجي مَـرّةً وتُناقِل
إذا اشتاقَتِ الخيلُ المَناهلَ أعرَضَتْ ... عـنِ الماء فاشتاقتْ إليها المناهل
ولـيْلان حـالٍ بالكواكبِ جَوْزُهُ ... وآخـرُ من حَلْيِ الكواكبِ عاطل
كـأنَّ دُجاهُ الهجْرُ والصّبْحُ موْعِدٌ ... بوَصْلٍ وضَوْءُ الفجرِ حِبٌّ مُماطل
قَـطَعْتُ بـه بـحْراً يَـعُبّ عُبابُه ... ولـيس لـه إلا الـتَبَلّجَ ساحل
ويُـؤنِسُني فـي قلْبِ كلّ مَخوفَةٍ ... حلِيفُ سُرىً لم تَصْحُ منه الشمائل
من الزّنْجِ كَهلٌ شابَ مفرِقُ رأسِه ... وأُوثِـقَ حـتى نَـهْضُهُ مُـتثاقِل
كـأنّ الـثرَيّا والصّباحُ يرُوعُها ... أخُـو سَـقْطَةٍ أو ظـالعٌ مُتحامل
إذا أنْـتَ أُعْطِيتَ السعادة لم تُبَلْ ... وإنْ نـظرَتْ شَزْراً إليكَ القبائل
تَـقَتْكَ عـلى أكتافِ أبطالها القَنا ... وهـابَتْكَ فـي أغمادهِنَّ المَناصِل
وإنْ سـدّدَ الأعداءُ نحوَكَ أسْهُماً ... نـكَصْنَ عـلى أفْـواقِهِنَّ المَعابل
تَـحامى الرّزايا كلَّ خُفّ ومَنْسِم ... وتَـلْقى رَداهُنَّ الذُّرَى والكواهِل
وتَـرْجِعُ أعـقابُ الرّماحِ سَليمَةً ... وقد حُطِمتْ في الدارعينَ العَوامل
فـإن كنْتَ تَبْغي العِزّ فابْغِ تَوَسّطاً ... فـعندَ الـتّناهي يَـقْصُرُ المُتطاوِل
تَـوَقّى البُدورٌ النقصَ وهْيَ أهِلَّةٌ ... ويُـدْرِكُها النّقْصانُ وهْيَ كوامل