بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك الجليل، الذي أرسل سيدنا محمد {صلى الله عليه وآله وسلم} بواضح البرهان والحجة والدليل، وأذل لوطأته أهل الشرك والإلحاد والأباطيل، وبعد:
قال الشيخ: داود الأنطاكي: وهو علم باحث عن خواص الحروف إفراداً وتركيباً.
وموضوعه: الحروف الهجائية.
ومادته: الأوفاق، والتراكيب.
وصورته: تقسيمها كماًَ وكيفاً، وتأليف الأقسام والعزائم، وما ينتج منها.
وفاعله: المتصرف.
وغايته: التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعاً وانتزاعاً.
ومرتبته: بعد الروحانيات، والفلك، والنجامة. انتهى.
قلت: هذا العلم هو علم الاولياء، وقد اعتنى به وألف فيه كثير من أهل العلم منهم : الامام الغزالي والبسطامي وابن سبعين وابن عربي والبوني وابن الحاج والامام السبتي وابن عزوز المراكشي وغيرهم كثير.
قال البوني: ولا تظنّ أنّ سرّ الحروف ممّا يتوصّل إليه بالقياس العقليّ، وإنّما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهيّ. وأمّا التصرّف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركّبة فيها وتأثّر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. وقد يظنّ أنّ تصرّف هؤلاء وتصرّف أصحاب الطّلسمات واحد، وليس كذلك، فإنّ حقيقة الطّلسم وتأثيره على ما حقّقه أهله أنّه قوى روحانيّة من جوهر القهر، تفعل فيما له ركّب فعل غلبة وقهر، بأسرار فلكيّة ونسب عدديّة وبخورات جالبات لروحانيّة ذلك الطّلسم، مشدودة فيه بالهمّة، فائدتها ربط الطبائع العلويّة بالطبائع السّفليّة، وهو عندهم كالخميرة المركّبة من هوائيّة وأرضيّة ومائيّة وناريّة حاصلة في جملتها، تخيّل وتصرّف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير للأجسام المعدنيّة، كالخميرة تقلب المعدن الّذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. ولذلك يقولون: موضوع الكيمياء جسد في جسد لأنّ الإكسير أجزاؤه كلّها جسدانيّة. ويقولون: موضوع الطّلسم روح في جسد لأنّه ربط الطبائع العلويّة بالطّبائع السّفليّة. والطبائع السّفليّة جسد والطبائع العلويّة روحانيّة. وتحقيق الفرق بين تصرّف أهل الطّلسمات وأهل الأسماء، بعد أن تعلم أنّ التصرّف في عالم الطبيعة كلّه إنّما هو للنفس الإنسانيّة والهمم البشريّة أنّ النفس الإنسانيّة محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات، إلّا أنّ تصرّف أهل الطّلسمات إنّما هو في استنزال روحانيّة الأفلاك وربطها بالصّور أو بالنسب العدديّة، حتّى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما حصلت فيه. وتصرّف أصحاب الأسماء إنّما هو بما حصل لهم بالمجاهدة والكشف من النّور الإلهيّ والإمداد الربّانيّ، فيسخّر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، ولا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكيّة ولا غيرها، لأنّ مدده أعلى منها.
وقال أبو حي الله المرزوقي: اعلم أن للحروف أسراراً كثيرةً لا يدركها إلا من إصطفاه الله تعالى من عباده.وللتصريف بالحروف طرق كثيرة. نقتصر منها هنا على ثلاث:
إحداها : طريقة الإستنطاق
وثانيتها : طريقة المزج
وثالثتها : طريقة الروح
أما طريقة الإستنطاق؛ فهي إكسير عظيم في جلب المسار، وترياق شريف في دفع المضار، وبها يتصرف الطالب في جميع ما يرومه من الأعمال، وهي كنز من الكنوز الخفية التي لم يصل إليها كثير من الناس .
ولها ثلاثة كيفيات: رقمية . وحرفية . وعددية .
فالرقمية : هي أن تضع كل حرف بحسب صورته الطبيعة . مثاله في اسم زيد ، (ز ي د).
والحرفية : هي أن تضع كل حرف بحسب النطق بلفظ إسمه . مثاله في اسم زيد . (زاي . ياء . دال)
والعددية قسمان:
1) مطولة : وهي أن تضع الإسم كل حرف بحسب النطق باسم عدده . مثاله في إسم زيد .(س ب ع ة . ع ش رة .أرب ع ة).
2) مختصرة : وهي أن تضع الإسم بحروف جملة عدده . مثاله في إسم زيد . ( أ ك ) لأن الزاي بسبعة ، والياء بعشرة ، والدال بأربعة ، وجملتها (21) ونطقها ( أ ك ).
والفائدة من الجميع واحدة لأن المدار إنما هو على النتيجة والقسم وهما حاصلان من كل .
فإذا أردت أي عمل من الأعمال خيراً كان أو شراً.
فابسط إسم الطالب والمطلوب والحاجة سطراً واحداً ثم كسره إلى أن يخرج الزمام .
مثاله : في الجمع بين زيد وعمر بالمحبة على الكيفية الرقمية:
ز ي د ي ح ب ع م ر = سطر الاصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ر ز م ي ع د ب ي ح = سطر تكسير
ح ر ي ز ب م د ي ع = سطر تكسير
ع ح ي ر د ي م ز ب = سطر تكسير
ب ع ز ح م ي ي ر د = سطر تكسير
د ب ر ع ي ز ي ح م = سطر تكسير
م د ح ب ي ر ز ع ي = سطر تكسير
ي م ع د ز ح ر ب ي = سطر تكسير
ي ي ب م ر ع ح د ز = سطر تكسير
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ز ي د ي ح ب ع م ر = سطر الزمام
فتكتب هذه السطور المستخرجة ما عدا سطر الزمام في كاغد وتكتب في ظهره القسم ، وطريقة إستخراجه:
أن تأخذ الأحرف الثلاثة الأولى والأحرف الثلاثة الأخر من السطر الأول الذي هو سطر الأصل، والأحرف الثلاثة الأول والثلاثة الأخر من السطر الذي قبل سطر الزمام وتضيف إلى كل ثلاثة على حدتها (اييل). فتكون في المثال المذكور (زيداييل) (عمرإييل) (ييبائيل) (حدزاييل) ، ثم تأخذ جملة عدد سطر الأصل وقيل: جملة عدد أسطر التكسير سوى سطر الزمام والاول أشهر. وتستنطقه حروفاً ، وتضيف إليها (إييل). وتستخرج منه اسم الروح الحاكم على الاربعة المذكورين القائمين بخدمة أحرف عملك المذكور فيكون اسم الحاكم في هذا العمل (زمشاييل)
لان جملته: (347) ونطقها (ز م ش).
وكيفية كتابته أن تأخذ لكل حرف من أحرف نطق الجملة المذكور إسماً من أسماء الله تعـــــــــالى يكون ذلك الحرف في أوله وهي هنا : (زكي - مؤمن - شكور). وتكتب هذه الأسماء في صدر ظهر الكاغد الخ ... كلامه الطويل في شرح التصرف بالحروف .
وللمزيد انظر: النتائج في قضاء الحوائج لابن سبعين، وجواهر الكشوف فى سر الحروف لابن الحاج، وقبس الأنوار ومجامع الأسرار في الحروف والأوفاق والأسماء والأعداد للبسطامي، والكشف في علم الحرف للبوني، السر المظروف في علم بسط الحروف لمحمد الخلوتي الشافعي الحنفي، وسفر آدم في علم الحروف، والخافية الحرفية للامام الغزالي، وإثمد البصائر في معرفة حكمة الظاهر، والامر الوافي والترتيب الكافي في السر الخافي لابن عزوز المراكشي، وغيرها من الكتب المؤلفة الكثيرة في هذا الشان.