بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه الكريم، وبعد:
فان العلم اللدني عند (الحكماء) لا يتأتى إلا بعد استيفاء وتحصيل جل العلوم النقلية والعقلية وأخذ الحظ الأوفر منها والرياضة الصادقة للنفس والمراقبة الصحيحة لله، وذلك مثل التفكر الذي يفتح للمتفكر أبواب العلم ويصير به من ذوي الألباب.
ويماثل هذا القول ما قاله الشيخ ابن تيمية في كتابه (الرد على المنطقيين) (ص 511) :
"أن التقوى و تصفية القلب من أعظم الأسباب على نيل العلم " .اهـ
وبتصفية القلب نصل ( للصفاء) والصفاء يسبب الكشف فيقتدر الإنسان على مشاهدة ما كان قصرت عنه قبل ذلك قوته، وعمل القلب؛ الاستكشاف وملاحظة أسرار الملكوت, وبارتقاء النفس الإنسانية من مجال الحس إلى مجال التفكير، و من مستوى الخضوع للأهواء والشهوات إلى مقام العبودية لله، تصل إلى حالة تطل بها على عالم الغيب، فتطّلع على الحقيقة، وتصل إلى أقصى مراتب الكمال الإنساني باقترابها من الخالق سبحانه وتعالى. هذا هو كل ما يحتاجه (الروحانيون),,,,,,, (التقوى) و (تصفية القلب) القائمة على أسس من الذكر والعبادة والطاعة ومحاسبة النفس .هذا هو الطريق الحق للعلوم (الروحانية) وما عداه فطرق (للسحر وللعلوم الشيطانية).
ومن المهم الإلمام بعلوم الشرع قبل أن نخوض في (العلوم الروحانية) وهذا من أهم الأسس التي نريد أن نجددها وان نحافظ عليها بعيداً عن كل ما دخل في هذه العلوم من دسائس ومخالفات شرعية استبيحت بها محارم الله، فكثيرا ما نرى أبوابا توصي بكتابة الآيات القرآنية أو الأسماء الحسنى مقلوبة أو معكوسة, أو أن تبخر بروائح كريهة أو أن تدفن في المقابر (كما في بعض أبواب الفرقة) فإن غفلنا عن الحكم الشرعي في هذه المسائل فينبغي ان لا نغفل عن عواقب مثل هذه الأعمال، وإن الجن قد تتسلط فتؤذي المطلوب في عقله وبدنه بأمراض شتى ، يصيبونه بالصداع والسهر والضيق في الصدر، وربما انعكس الامر على الطالب بسبب خطأ في العمل او نحو ذلك فيتضرر.
لا شك ولا ريب أنَّ العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى هو علاجٌ نافعٌ وشفاءٌ تامٌ
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}, فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، ، وإِذا أحسن العليل التَّداوي به وعالج به مرضهُ بصدقٍ وإِيمانٍ، وقبولٍ تامٍ، واعتقاد جازمٍ، واستيفاء شروطه، لم يُقاومه الداءُ أبداً. وكيف تُقاوم الأدواء كلام ربِّ الأرض والسماء, ومع هذا فكثير من الأشخاص تنأى عن العلاج بالقرآن وتراهم يتردون في التصديق بقدرات القرآن الشفائية ويفضلون عليها ما هو من دونها ,فسبحان الله كيف استهانوا بالقرآن العظيم ؟؟؟
وكثير من الأعضاء تسعى وراء (المكاشفات) دون أن تعي معنى الكشف , أو أنواع المكاشفات ودرجاتها ولا تبعات المكاشفات الثقيلة عليهم, وكثير لا يعون أسباب المكاشفات وأنها لا تُحصّل إلا بعد سلوك دروب وعرة، يراعى فيها الكتمان والمجاهدة، فإن تعرضت لسوء فهم أو تأويل كانت مصدر خطر على أصحابها, وأن من مقدمات الكشف غض البصر عن المحارم, و كف النفس عن الشهوات و تعمير الباطن بمراقبة الله تعالى, و تعوّد أكل الحلال, و من موانعه أطلاق النظر إلى المحرمات و الذي يطمس مرآة القلب بظلمات النفس, وأن إتباع غير هذا الطريق لا يوصل إلا إلى (المكاشفات الشيطانية).
ويخفي على كثير من الأعضاء دور (النفس وقواها) وأن من لم تحصل له ( قوة النفس أو الهمة) عسر عليه تعاطي العلوم الروحانية حتى مع التعلم والحفظ والقراءة, ومتى كانت له هذه القوة حصل له تعاطي العلوم الروحانية بأيسر سعي وأدنى ضبط, فيتحدث بالعجائب وتنفعل له الغرائب، ويخرج منه الأشياء الكثيرة والأحوال المتباينة , وكل هذا من أحوال قوى النفوس بحسن صفاء الباطن، وقوة الاستعداد، والله هو الوهاب العليم.
وصلى الله على محمد وسلم تسليما.